Powered By Blogger




الأحد، 26 يوليو 2009

تركستان الشرقية.. الكنز الذي تنهبه الصين

من السواحل الذهبية إلى كنوز الأقاليم الغربية

تركستان الشرقية.. الكنز الذي تنهبه الصين

بعد الانفتاح الاقتصادي..تقف الصين اليوم على أبواب مرحلة جديدة ومهمة من مراحل التنمية والتحول الاقتصادي فيها قد تكون ذات نتائج أكبر من التي شهدتها وسمع العالم عنها سابقاً فقد بدأت التوجه اقتصادياً وبمئات المليارات نحو ما أسمته بالواجهة الغربية وذلك انطلاقاً من الأقاليم الغربية في البلاد التي تقطنها أغلبية مسلمة وهي أقاليم لم تلق اهتماماً مثل ما حظيت به الأقاليم الساحلية مع أنها تشكل 56.8% من المساحة الكلية للصين وتحتضن 23% من السكان و60% من مخزون الغاز لكنها لا تساهم إلا بـ 14% من الناتج المحلي الإجمالي، ويعد إقليم تركستان الشرقية المعروف في الصين باسم سينكيانج من أبرز هذه الأقاليم الغربية.وأبرز دافع لتحويل انتباه أصحاب المشاريع الإنمائية من المدن الساحلية الشرقية إلى المدن الغربية ـ ومنها ما يعرف هناك بمنطقة حكم الإيغور الذاتي ـ تلك الثروات الهائلة التي أودعها الله سبحانه وتعالى في سهولها وصحاريها الواسعة فمخزونها من النفط مثلاً يقدر بثلاثة أضعاف حجم مخزون النفط في أمريكا الشمالية، كل هذا وغيره جعل لعاب زعماء وأثرياء بكين يسيل فيعملون على توطين 300 ألف صيني كل عام في ذلك الإقليم التركي ثقافة وتاريخاً، والمسلم ديناً.ومن أجل تشجيع الهجرة إلى هناك قام رئيس مجلس الشعب الوطني الصيني لي تنج بافتتاح سكة حديد جديدة في جنوب الإقليم يبلغ طولها 1446 كم لتفتح الطريق إلى مدينة توربان في وسط الصحراء وقد أعلنت الحكومة الصينية اعتبار أورومجي عاصمة الإقليم منطقة "اقتصادية خاصة" وهو ما يعني تحريرها من الضرائب العامة على أمل أن يؤدي ذلك إلى دفع الصينيين من الأقاليم الأخرى إلى السيطرة على الثروات كالنفط والقطن والفحم وتجاراتها التي بدأت تزدهر في الإقليم.ولقد نجحت هذه الإجراءات فعلاً في جعل الصينيين حسب آخر إحصائية يشكلون 80% من سكان عاصمة الإقليم ويتوزع الـ20% الباقون بين الإيغور من سكان البلاد الأصليين والهوي (المسلمون من أصول صينية) والكازاخ والروس البيض.بل إن تركستان الشرقية مقبلة على مواجهة تأثيرات خارجية أبعد من بكين فقد ذكر تقرير رسمي نقلته وكالة شينهوا للأنباء أن الاستثمارات الأجنبية في العام الماضي قدرت بـ 168 مليار دولار منها 128 ملياراً من القروض الإنمائية الخارجية و40 مليار دولار من الاستثمارات الخارجية المباشرة وهذا يعني ارتفاع حجم الأموال الأجنبية الواردة إلى الإقليم بنسبة 33% في عام 1999 مقارنة بعام 1998.و كان حجم مجموع صادرات تركستان الشرقية التي تحدها ثماني دول 6.2 مليار دولار خلال الأعوام الخمسة الماضية كما زاد حجم استيرادها بنسبة 9.6% كل عام منذ عام 1996 ليصل إلى 3 مليارات دولار.
الدعم الحكومي
تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن إنتاج سينجيانج من القطن يشكل ربع إنتاج الصين منذ عام 1995م كما أثبت وجود 2.4 مليار طن من مخزون النفط والغاز في الاكتشافات الأولى.وتدعم الحكومة المركزية في بكين النمو الاقتصادي في الأقاليم الوسطى والغربية في السنوات القليلة الماضية بتوجيه 60% من الديون الممنوحة من المؤسسات المالية الأجنبية والدول الأخرى إليها بعد أن كتب العديد من خبراء التنمية الحكوميون دراسات حول إمكانات أسواق هذه الأقاليم المهملة سابقاً والتي أشارت إلى سينجيانج بشكل خاص بأنها أكثر قدرة على جلب الكثير من الثروات من الأقاليم الشرقية الساحلية.وفي الوقت الذي تشهد الشركات الحكومية حملة إصلاحات فإنها تدخل مرحلة حساسة ومهمة في الوقت الذي تحتاج سينجيانج المزيد من الاستثمارات الأجنبية والتقنيات المتقدمة والخبرات الإدارية لبناء مؤسساتها وتحديث شركاتها، وهذا ما جعل حكومة الإقليم تعجل بـإجراءات جذب رؤوس الأموال الأجنبية بتحسين البيئة الاستثمارية فيها بعد أن تدفقت مئات المليارات من الأموال الأجنبية على شرق الصين الذهبي منذ انفتاحها عام 1978م بقيادة زعيمها السابق دينج زياو بنج.
النزعة الاستقلالية
في السنوات الخمس الماضية وقعت حكومة سينجيانج 815 اتفاقية تعاونية مع شركات أجنبية من خلال المعارض التجارية التي نظمت وقدرت المنافع الحقيقية لهذه الاتفاقيات بـ1.15 مليار دولار، لكن المسلمين الإيغور الذين يشكلون أغلبية السكان أو على أقل تقدير أكثر من نصفهم يواجهون تنامياً عددياً واقتصادياً من قبل الصينيين المهاجرين إلى إقليمهم ومع أنهم يتحدثون اللغة الصينية كلغة ثانية ورسمية لكنهم مازالوا يحافظون على لسانهم التركي ويبلغون على أقل تقدير إحصائي 10 ملايين ـ علماً بأن هذا الرقم مبالغ في تقليله من قبل معدي الإحصاءات الرسمية ـ وذلك من مجموع سكان الإقليم البالغ عددهم 18 مليون نسمة. وقد بدا تدفق الصينيين إلى الإقليم في وقت مبكر ضمن خطة "التصيين" التي ظهرت بظهور الشيوعية بعد ثورتها عام 1949م عندما كان في الإقليم 200 ألف صيني فقط.وتحاول حكومة بكين امتصاص المعارضتين الإسلامية والقومية في الإقليم التي تسعى فصائل منها للاستقلال عن الصين، ومن أواخر أحداث القمع الصينية ما قامت به في أكتوبر الماضي عندما احتفلت الصين بالذكرى الخمسين لثورتها الحمراء وحينها أرسلت لسكان الإقليم رسالة شديدة الوقع بأن قتلت شاباً في الـ20 من عمره لاتهامه بتفجير مركز للشرطة عام 1998م.كان أول غزو صيني للأراضي التركستانية في عام 1759م، ومنذ ذلك التاريخ دار الصراع حوالي قرن كامل، إلى أن استطاع الشعب التركستاني الظفر باستقلاله في عام 1865م، وبعد عشر سنوات، عادت الصين واحتلت تركستان الشرقية، ولكن التركستانيين تمكنوا من طرد القوات الصينية من بلادهم في عام 1933م، إلا أن مطامع الجارة الكبيرة روسيا أدت إلى سقوط تركستان تحت الاحتلال الروسي بعد عام واحد من الاستقلال. وأثناء الحرب العالمية الثانية ضعفت روسيا، فانتهزت الصين الفرصة واحتلت تركستان مرة أخرى، وقامت في عام 1944م ثورة عارمة انتهت بإعلان الاستقلال، مما دفع إلى تحالف روسيا والصين فأسقطت حكومة الاستقلال، وفي عام 1949م اجتاحت القوات الصينية الشيوعية أراضي تركستان الشرقية وبقيت تركستان الغربية تحت سيطرة الاتحاد السوفييتي حتى سقوطه".وعندما جاءت الحكومة الصينية بثورتها الشيوعية العارمة ألغت كل دين وأصبح أغلبية الشعب الصيني بلا دين على أساس فكرة الشيوعيين التي تزعم أن الثروة ستملأ الفراغ الروحي وكلا الأمرين لم يحصل، فلا جاءت الثروة ولا امتلأ الفراغ الروحي ثم جاء الانفتاح والتغريب وزادت موجته في العقد الأخير لكن الفراغ الروحي لم يملؤه شيء في الحالتين وبالنسبة للمسلمين فإنهم لم يتركوا دينهم الحنيف وهو ما ظل يشغل عقول الساسة في بكين مهما كان الالتزام ضعيفاً أو محصوراً في بعض الشعائر. وبالنسبة لغير المسلمين نلاحظ محاولة الناس البحث عن المفقود الروحي من حياتهم والتي لم تعمل الحكومة بشكل رسمي أو جاد على ملئه بأديان الصين القديمة من بوذية وطاوية وكونفوشيوسية.التحركات الصينية تعكس فهم حكومة بكين أن الإيغور مازالوا يرتبطون بالإسلام ديناً وثقافة وبالأتراك والتركمان من إخوانهم في تركمانستان الغربية المستقلة أكثر من ارتباطهم بالمهاجرين من الصينيين الذين يحكمونهم منذ اكثر من خمسين عاماً.
التنمية والبعد الإقليميإن
تركستان الشرقية هي بوابة شرق آسيا إلى آسيا الوسطى، كما كانت إحدى البوابات التاريخية المهمة للعالم الإسلامي إلى الصين أيام الفتوحات وانتشار الإسلام، فهي تربط الصين بجمهوريات آسيا الوسطى الواعدة ذات الكم الهائل من الثروات والتي يركض وراءها المستثمرون من أرجاء العالم، فتحدها تركمانستان وكازاخستان وقرغيزستان وأوزبكستان، لكن حكومات هذه الدول وكما أصبح معلوماً تحولت إلى الوكيل المعتمد من الدول الغربية بعد خروج الاتحاد السوفييتي في قمع الصحوة الإسلامية الصاعدة ولذلك تم اجتماع ما يعرف بالدول الخمسة الذي ضم الصين وهذه الدول لمكافحة ما يخشونه من"أصولية إسلامية"، وكان من بين ذلك اتفاق كازاخستان في 24 نوفمبر الماضي مع الصين على المواجهة المشتركة لـ"العنف الديني والانفصال القومي والإرهاب"!وعندما زار الرئيس الصيني جيانج زيمين تركيا خلال آخر جولاته الخارجية كانت قضية "مكافحة الأصولية والإرهاب" إحدى قضايا أجندة التعاون التركي ـ الصيني، ولاهتمام الشارع الإسلامي التركي بأتراك الصين تحدث زيمين عن القضية بوجه آخر حينما قال: إنه يجب أن ننظر إلى قضية شعب الإيغور بصورة إيجابية تتمثل في اعتبارهم "جسر صداقة". ويقول محللون إن أطرافاً في الحكومة الصينية تحاول أن تجعل من الإيغور إحدى البوابات الصينية نحو العالم من جهة آسيا الوسطى وقد تكون هذه الرؤية عند القلة من كبار ساسة بكين بداية تغير في معاملة مسلمي تركستان الشرقية من الإيغور الذين بقوا غير معتبرين في موازين الصين الداخلية، كما ظلوا ولايزالون الأقل استفادة من غيرهم من منافع المشاريع التنموية، وكان الرئيس الصيني قد أكد أن الصين لن تجر الإيغور إلى صعاب ومواجهات أخرى وعلل ذلك اقتصادياً بأن الصين قد أنفقت الكثير على المشاريع التنموية في تركستان الشرقية.وبالطبع فإن إصرار الصين على قمع النزعة الانفصالية نابع أيضاً من المنافع الاقتصادية لهذا الإقليم، ولذلك فالموقف الصيني في هذه الحالة سيركز على الاستفادة من الثروات واستخراجها أكثر من تنمية وتحسين أحوال وقدرات أهل سينجيانج، وهذا ما جعل الحكومة تشجع توقيع 815 اتفاقية أجنبية بملايين الدولارات في استثمارات ليست حكراً على النفط والغاز فقط.لقد عملت الحكومة الصينية في مشاريع التنمية في الإقليم بأساليبها الخاصة وكانت دائماً لا تسقط من أولوياتها الضغط على كل صاحب نزعة انفصالية، وهذا ما تحاول تقليده دول آسيا الوسطى التي تفسد آمال النمو وأحلام التحول إلى دول نفطية بالجو السياسي الذي يظهر الخوف من ذلك الإسلام الآخذ بالتيقظ، وبالرغم من أن المشاريع التنموية قد بدأت تتزايد في الإقليم لكن المستفيد الأول هم الصينيون من قومية الهان في العاصمة ومنطقة تيانشان ولم يطبق شعار جعل الإيغور "جسراً للصداقة" حيث لم يعين أي سفير منهم ممثلاً للصين في دول العالم بل بقيت مناطق المسلمين مثل مدينتي كشجر وإيلي أقل تمدناً من غيرها.
نظرة جديدة إلى الإيغـور
وقد بدأ في الآونة الأخيرة ظهور فكرة أتت من دول آسيا الوسطى المجاورة لتركستان الشرقية تدعو الصين إلى إعادة التفكير في أسلوب تعاملها مع الإيغور وذلك بجعلهم رأس مال علاقتها الاقتصادية مع آسيا الوسطى والعالم الإسلامي غرباً باعتبار أن ذلك سيساعد في تحويل المنطقة إلى نقطة تجارة ونماء، وإحياء فرص العمل لكثير من أهلها الفقراء ولإخراج الكثيرين من المشكلات المعيشية التي يحيونها، والشعب الإيغوري بطبيعته قادر على توليد الثروات والتحرك لو غيرت الصين من سياساتها ودعمت إجراءات بناء الثقة من أجل علاقة أفضل بين الصين وتركستان الشرقية التي ظل أهلها يشعرون بالاختلاف عن غيرهم من الصينيين، ولقد استخدم المغول الإيغور في دولتهم وجعلوهم سفراء لهم في القرنين الـ13 ـ 14 الميلاديين ويمكن للصين أن تجعل منهم السفراء والواجهة التجارية نحو آسيا الوسطى والشعوب المتحدثة باللغة التركية، فهل تغير الصين من نظرة اليأس التي يحملها الكثير من الإيغور في ظل واقعهم؟ إنهم لايزالون يعملون على تقوية هويتهم ومجتمعهم بشق الأنفس في مواجهة محاولات الصين مزج المعالم الثقافية لهذه الهوية في جو الثقافة الصينية السائدة.لكن يبدو أن الحلم الذي يراود البعض من جيران سكان تركستان الشرقية مازال صعب التحقق فمثلاً حكم بالسجن على المليونيرة الإيغورية ربيعة قادر بالسجن لمدة 8 سنوات بتهمة كشف أسرار الدولة بسبب إرسالها صحفاً محلية بالبريد إلى زوجها المنفي في الولايات المتحدة، وكانت قد مدت يد العون لكثير من نساء وعائلات الإيغور بمشاريعها الخيرية وكان أثرها واضحاً في المجتمع مما جعل الحكومة تترصد لأي علة لتعتقلها، الأمر الذي دفع أخواتها من نساء الإيغور في كازاخستان وقرغيزستان الى التظاهر أمام السفارات الصينية هناك وبهذا التصرف وغيره الذي أدى إلى إيقاف عمل إحدى القيادات المجتمعية تسد الصين الباب أمام جعل الإيغور "جسر الصداقة" بينها وبين المسلمين في الطرف الأخر من حدودها، ومن الطبيعي أن تخشى الصين حدوث تنسيق بين الإيغوريين والتبتيين والتايوانيين لجذب انتباه عالمي أوسع لقضيتهم. ولذلك فهي تلوح للسكان بآمال النمو الوردية وبتحرير التجارة بعد الانضمام لمنظمة التجارة العالمية كلما ظهر انتقاد لأحد تصرفاتها من الخارج، لأنها تعرف أن المستثمرين الأجانب يركضون وراء ثروات الأرض ولن يهتموا بقضايا الحريات الدينية وعدالة التوزيع وحقوق الأقليات ولكن هل سيكون انضمامها لمنظمة التجارة فتح باب لنقدها أم إن النقد سيستثني منه الناقد ذكر أحوال المسلمين؟.
نفط وغاز وثروات!!
وليست القضية خالية من بعد اقتصادي أبداً فلو كان الإقليم فقيراً من الثروات لكان التعامل مختلفاً، ومن المفارقات العجيبة أن أغلبية ـ إن لم يكن كل ـ المناطق الداعية للاستقلال في آسيا غنية بالثروات مثل آتشيه في إندونيسيا وجزر مسلمي مورو في الفليبين، ويتكرر المثال في تركستان الشرقية التي تندفع إليها الشركات النفطية الصينية وهي أبرز ثلاثة شركات حكومية نفطية: شركة النفط الساحلي الصينية الوطنية، وشركة البتروكيماويات الصينية، وشركة النفط الصينية التي تمتلك 12% من قيمة أسهم شركات الدولة، وأغلب الواردات من أرباح الإنتاج النفطي لهذه الشركات مجتمعة في العام الماضي كانت من حقول إقليم تركستان الشرقية.وبعد رفض المستثمرين أسلوب تدخل الحكومة في حجم الإنتاج النفطي وتوزيعه فإنها تسعى إلى تغيير قوانين الاستثمار النفطي بعد أن أدرجت الشركات الكبيرة الثلاثة في بورصتي هونج كونج والولايات المتحدة، وحتى قبل أن تتزايد سخونة الاستثمارات الأجنبية في تركستان الشرقية كانت الحقول النفطية والغازية فيها معدة للإنتاج بكميات كبيرة، فحقل تاهي مثلاً في تيرمين في الإقليم نفسه بدأ إنتاج مليوني طن منه مؤخراً. وتقول إحدى وكالات الأنباء الصينية إن 60 بئراً نفطياً في تيرمين تستعد لضخ4000 طن يومياً ليكون مجموع إنتاج تيرمين النفطي السنوي ما يزيد على سبعة ملايين طن، وتحاول شركة النفط الصينية سحب 100 ألف طن متري من حقول أخرى لكن ضعف خبرتها يؤخرها حالياً عن ذلك.ومنذ بداية التسعينيات والإنتاج النفطي لتركستان الشرقية ينمو بنسبة 13% أو ما يساوي 1.2 مليون طن، وقد أنقذ هذا النمو السريع الشركات النفطية الصينية والسوق المحلية من ترد في حجم الإنتاج النفطي، فأقاليم الغرب التي ظلت بعيدة لحد كبير عن المستثمرين والاستغلال التنموي في السنوات الأولى للانفتاح أصبحت اليوم تغذي سوق الصين الهائلة بـ80% من مجموع إنتاج الصين للنفط سنوياً والبالغ 140 مليون طن، ومن هذه الكمية يتوقع أن تنتج تركستان الشرقية منها 23 مليون طن سنوياً في السنوات المقبلة أو ما يساوي 20% من الإنتاج الكلي للنفط، وتقول أبحاث الجيولوجيا أن تركستان الشرقية تحتضن في بواطنها 30 مليار طن من النفط والغاز حتى الآن.وقد أنفق إلى الآن 50 مليار يوان (6.3 مليار دولار) في البحث عن هذه الثروات في ثلاثة أحواض وهي: تريم، وجنغار، وتوربان ـ هامي، وقد اكتشف نتيجة لذلك 15 حقلاً في حوض تريم الذي تقدر مساحته بمساحة فرنسا وتأكد أن فيه احتياطي قدره 600 مليون طن.
ومن الرياح ثروة!
إحدى الشركات الأمريكية المتخصصة في استكشافات النفط والغاز والطاقة تحاول الآن إدخال تقنياتها وخبراتها إلى أقاليم الصين الغربية في مجال آخر للاستفادة من ثروة طبيعية أخرى تتميز بها تركستان الشرقية عن غيرها من الأقاليم بسبب طبيعتها السهلية وهي: الرياح، وأعلنت مجوعة شركات تانج لمصادر الطاقة مؤخراً أنها بصدد استثمار 40 مليون دولار لبناء محطتي توليد الطاقة الهوائية وتحويلها إلى طاقة كهربائية من صحراء الصين الشمالية الغربية بالتعاون مع شركة طاقة هوائية محلية، وحسب الاتفاقية الموقعة بين الشركتين ستنتج كل محطة 20 ألف كيلو واط يومياً على الأقل من 9 مناطق رياح بدأت الشركة المحلية التوليد منها بالفعل على امتداد مساحة سهلية قدرها 90 ألف ميل مربع، ومن المتوقع أن يكون حجم إنتاج المشروع 800 مليار ساعة-كيلو واط من الكهرباء سنوياً. ويقول رئيس شركة تانج من تكساس في الولايات المتحدة إن هناك إمكانات كبيرة للاستفادة من قوة الرياح في المنطقة خاصة مع اهتمام الحكومة بتنويع مصادر الطاقة الكهربائية التي يتزايد الطلب عليها في الصين مع توسع المدن وبناء مدن جديدة، ويؤكد باتريك جنيفر أن شركته تأمل في بناء محطات توليد طاقة هوائية أخرى وعدم الاكتفاء بمحطتين فقط وكذلك التعاون مع حكومة الإقليم في بناء محطات أخرى في الأقاليم الغربية المجاورة لتركستان الشرقية، حيث إن "شركة سينكيانج لطاقة الرياح" قد بدأت بدراسة هذا المجال غير المستغل بشكل كامل وتعاقدت الشركة المحلية مع شركة جاكوبز الألمانية في مجال نقل التقنيات وقطع غيار المحولات الكهربائية في المحطات الهوائية في الإقليم.
الزراعة والقطن أيضا!
وخلافاً لحال النفط والغاز المخفيين تحت الأرض فإن القطن ملك زراعي يرى زائر الإقليم روعة انتشار زراعته هناك فمسؤول صيني كبير أعلن في الربيع الماضي في المؤتمر التاسع للكونجرس الوطني أن القطن أحد قطاعين زراعيين تأثرا بالأزمة الآسيوية المالية لكن الحكومة ظلت واثقة من أهميته وإمكانات نموه من جديد، وفي آخر احصائية متوافرة ذكر أن إنتاج سينجيانج من القطن هو الأكثر من بين أقاليم الصين في عام 1998م ولا يقل عن غيره من ناحية اهتمام الحكومة بتحسين نوعيته ووزيادة حجم إنتاجه، وقد انتج المزارعون 3.1 مليون طن من القطن في ذلك العام وهو ثلث مجموع حجم إنتاج الصين من القطن.وقد ظلت تركستان الشرقية أحد الأقاليم التي حافظت على نمو مستقر بسبب توجيه الحكومة لكثير من الأموال الأجنبية إليها خلال 16 عاماً مضت وفي العام الماضي وجهت الحكومة 49 مليون دولار للتنمية الزراعية في الإقليم منحت كقروض للمزارعين و8 ملايين أخرى من المنح الأجنبية، وقد بدأت حكومة الإقليم الاستفادة من الأموال الواردة إليها من بكين منذ عام 1998م بشكل خاص، وفي عام 1996م دعم البنك الدولي بناء ستة مراكز بحوث وتقنيات زراعية في المرحلة الأولى ودعم مشروع الأسمدة في أراضي حوض تريم، وخلال المرحلة الثانية التي كلفت 160 مليون دولار ومازالت لم تنته يتم بناء أجهزة للتحكم بالمياه الزراعية ومشاريع بيئية أخرى تبنى في 22 كانتون ومدينة في جنوب تركستان الشرقية.وخبر آخر عن الإقليم المتعطش للمياه حيث اكتشف الجيولوجيون كميات كبيرة من مخزون المياه الجوفية على طول ضفة نهر ويجان وقدرت بـ200 مليون متر مكعب ضمن مساحة تزيد على 20 كم مربع تحت الأرض وهو ما يعد الإقليم بسد حاجته الاستهلاكية غير الزراعية من المياه لمدة عامين، كما أن المياه الجوفية في مناطق أخرى تكفي لري 20 ألف هكتار من الأراضي الزراعية وتسد حاجة العاصمة الإقليمية أورومجي للمياه ذات 1.5 مليون نسمة من السكان.300 مليون فقير بين الواجهة الشرقية والواجهة الغربية : ولفهم ما يدور من تغيرات في السياسات التنموية في سينجيانج والأقاليم الأخرى ذات الأقليات المسلمة والأقليات الأخرى، فإن من الضروري أن نتعرف الخريطة التنموية للصين التي لا يتحدث عنها من ينقل لنا صور الإعجاب التعميمي بالتنين الصيني، فمن الحقائق الغائبة أن ما نسمعه من تنام اقتصادي مقصور إلى حد كبير على سكان "سواحل الصين الذهبية" دون غيرهم، فالصين أعلنت الشهر الماضي سياسة "النهوض بالغرب" بإشراف رئيسها جيانج زيمين ورئيس الوزراء زوه رونغجي، وتدفع بالمستثمرين إلى التوجه إلى مناطقه كإحدى السياسات الساعية لتقليل درجة الفارق في الدخل ومستوى المعيشة بين الأقاليم الشرقية والأقاليم الغربية وذلك بنقلة في نوعية وحجم الاستثمارات لخلق فرص عمل جديدة وتقليل الاعتماد التقليدي في معيشة هذه الأقاليم على الزراعة والتعدين وبعض الصناعات الثقيلة المتعلقة بها.المستثمرون من جانبهم لن يهمهم الأبعاد الداخلية الاجتماعية والثقافية والدينية لحملة الانفتاح الاقتصادي في الغرب الصيني وكيف يمكن أن تؤدي إلى تغريب ما لم يتم تغريبه من سكان الصين، فما يهم المستثمرون هو السياسات الاستثمارية التي تعرضها الصين عليهم بعد 3 سنوات من الإنفاق الحكومي للوقاية من الأزمة الآسيوية، فالذي يخشاه حاملو الأموال والمشاريع هو البنية التحتية الفقيرة والبيروقراطية والفساد الإداري وعدد الفقراء الكبير وكل هذه معوقة لأعمالهم وخاصة أن الحكومة في الـ20 عاماً الماضية لم تقدم محفزات استثمارية وتجارية في الغرب كما هو الحال في عواصم أقاليم الشرق. ولم يجرب الكثير من المستثمرين أقاليم الغرب، ففيما عدا القروض والمنح الأجنبية التي توجه إلى هناك من قبل الحكومة وكذا الاستثمارات التي ذكرناها في سينجيانج كان حظ هذه الأقاليم 9.9 مليار دولار من مجموع 300 مليار من أموال الاستثمارات المباشرة في الصين العام الماضي.ففي العقدين الماضيين تركزت الاستثمارات في المدن الساحلية، والزائر لشانجهاي وبكين يشعر وكأنه في طوكيو أو هونغ كونغ ولكن ذلك لا يمثل أسلوب حياة مئات الملايين الآخرين من سكان الصين في وسط البلاد أو غربها الذين كانوا منسيين في موجة الإثراء بعد الانفتاح، فـ70% من الثروات الطبيعية الصينية تتركز في الأقاليم الغربية التي تتميز بكبر المساحة، لكن أقل من 30% من سكانها من الفلاحين والعمال وجدوا أعمالاً نتيجة لهذا الانفتاح مقارنة بسكان الغرب وأكثر سكانه الباقون مازالوا يبحثون بالسبل التقليدية للعيش من الفلاحة والتعدين وبيع خشب الأشجار، وحتى لو أكمل أحدهم الدراسة الجامعية فإنه غالباً سيترك منطقته الفقيرة باحثاً عن عمل في المدن الشرقية الكبيرة مما يعمق الفارق بين الشرق والغرب.
ولذلك تحاول الحكومة تغيير هذا الواقع بثلاثة أساليب رئيسة:
1ـ زيادة حجم الإنفاق الحكومي في الغرب والذي سيصل إلى عشرات المليارات مثل تخصيص جزء من واردات خزينة الضرائب في الأقاليم الشرقية الغنية لمشاريع البنية التحتية في الغرب الذي يعد سوء مستوى الخدمات الأساسية فيها أحد أهم التحديات.
2 ـ سياسيات تفضيلية جديدة للأقاليم الغربية استغلالاً للعمالة الرخيصة وجذباً للشركات الصينية من المناطق الساحلية وكذا من هونج كونج وتايوان.
3 ـ وما هو محل الجدل في أوساط المستثمرين الأجانب هو مطالبتهم بجرعة ثقيلة من الإصلاحات في شتى الإدارات .ومن ذلك الإنفاق تعبيد أطول شبكة للطرق البرية في الصين بل في شرق آسيا ومنها الطريق ما بين تركستان الشرقية غرباً وشانجهاي إحدى عواصم التجارة الصينية شرقاً ويبلغ طوله 4200 كم، ثم الطريق الموصل ما بين تركستان الشرقية وشانجزي، والطريق الثالث وطوله 4000كم بين سيشوان وجونجزري، وهذا جزء من التخطيط لتعبيد طرق يقدر مجموع طولها بـ35 ألف كم وهو ما يمثل نقلة أكبر مما تم بناؤه سابقاً.
الصين: 3 أقسام تنموياً
ويمكن ملاحظة الفارق بين مستوى المعيشة بين الشرق والغرب في الصين أن عامل مصنع أو بناء يعمل لمدة 12 ساعة قد لا يحصل في مدينة غربية فقيرة على أكثر من دولارين ونصف الدولار في اليوم أو بمعدل 166 دولاراًً في الشهر بينما يحصل مثيله على ثمانية أضعاف الأجرة في شانجهاي. فالغنى والثروة لم تتوزع بين المليار و300 مليون صيني بالتساوي وهذه أحد تناقضات ما أسميناه بـ"الرأسمالية الحمراء" ويمكن أن تقسم أقاليم الصين إلى 3 أقسام من حيث مستوى معيشة سكانها تتدرج من الساحل الشرقي وكلما اتجهنا نحو الغرب زاد الفقر:
1 ـ الأقاليم الثمانية الشرقية الغنية والساحلية المشهورة بعضها عالمياً وهي: بكين، تيانجين، جيانغسو، شانجهاي،شيجيانج، فوجيان، جوانغ دونج، هونج كونج، ويبلغ متوسط الدخل في مدنها (788 ـ 2500 دولارًا) وفي قراها (372 ـ 660 دولاراًً.
2 ـ الأقاليم الوسطى: وهي 14 إقليماً تمتد طولاً من أقصى الشمال الشرقي للصين إلى جنوبه الأوسط ولا تختلف كثيراً عن الأقاليم الغربية ولذلك تعتبر أقاليم فقيرة أيضاً ويصل معدل الدخل في مدنها (523 ـ 700 دولاراًً) وفي أريافها(215 ـ 335 دولاراًً).
3 ـ منطقة "حزام الفقر" وهي: الأقاليم ومناطق الحكم الذاتي الغربية الفقيرة جداً وهي تسعة: سينجيانج، التبت، كنغهاي، ننكزيا، كانصو، شانكسي، سيشوان، غويزهو، يونان، ومدينة شونغكينغ ذات الإدارة المستقلة، ويبلغ معدل دخل الفرد في مدنها ما بين (540 ـ 753 دولاراًً) وفي أريافها الشاسعة (148 ـ 222 دولاراًً) حسب آخر احصائية من إدارة الإحصاء الرسمية في بكين. وتحتضن هذه الأقاليم 285 مليون نسمة.ويعيش كثير من مسلمي الصين في الأقاليم الغربية هذه حيث إنهم موزعون بين 10 قوميات من بين 56 قومية وأقلية في الصين، فبالإضافة إلى إقليم سينجيانج المذكور آنفاً يعيش مسلمون آخرون بشكل رئيس في ثلاثة أقاليم غربية أخرى وهي: كانصو وكنغهاي وننكزيا وبأعداد أقل في يونان وغويزهو. ولذلك فمن المناسب أن تطرح أسئلة مهمة حول مستقبل أوضاعهم: فما الذي ستجلبه لهم الإصلاحات الاقتصادية القادمة في أقاليمهم بعد أن كانت بعيدة عنهم في أقاليم السواحل؟ وهل ستكون أسلوباً جديداً لتخديرهم هم وبوذيو التبت مع الاستفادة من ثروات الأرض التي يعيشون فيها لصالح الصين ككل وزيادة غنى أغنيائه؟ أم ستكون حقاً نافعة لهم وفرصة للاستفادة من موجة الانفتاح الاقتصادي الجديد وبداية لانفتاح وحريات دينية أوسع بعد 10 أو 20 عاماً!؟فارق في النمومازال الفارق الاقتصادي والخدمي يتعمق ما بين أقاليم الغرب وبين سكان مدن السواحل ففي الوقت الذي نما دخل الفرد من سكان المدن الساحلية بنسبة 7% نما دخل الفرد من فلاحي الأقاليم الغربية والوسطى البالغ عددهم 800 مليون نسمة بنسبة 1% فقط خلال السنوات الماضية حسبما أكد تشين دونج شينج رئيس معهد بحوث المنطقة الغربية في الأكاديمية الصينية للعلوم الإنسانية الشهيرة.ويقول سياسيو بكين إنهم لن يستطيعوا الحفاظ على نسبة نمو عالية ما بين 7 ـ 10% للناتج المحلي الإجمالي والتي جذبت الصين بها أنظار العالم إلا إذا وفرت فرص عمل جديدة لملايين الأيدي العاملة الشابة الداخلة إلى الأسواق كل عام وتترقب الصين خطر دخولها إلى منظمة التجارة الدولية وتخصيص عدد آخر من الشركات الحكومية وهو ما يعني بطالة الملايين، كما تعتمد في ناتجها المحلي على قطاعات التصدير بنسبة 24% وهو مالا يمكن الاعتماد على نموه في معيشة الجميع من سكانها، أضف إلى ذلك موجة هجرة سكان الأقاليم الوسطى والغربية إلى المدن الكبرى وكثير منهم قد لا يجد عملاً، ولهذا تتجه الحكومة لإنقاذ البلد واقتصاده فتخصص 70% من ميزانية الدولة للبنية التحتية هذا العام والبالغة 396 ملياراً للأقاليم التسعة الغربية من بناء شوارع وشبكات اتصال وخدمات أخرى ووعدت بتوفير 12 مليار دولار بصورة مستندات لشركات أنابيب الغاز وتوجيه البنوك نحو زيادة نشاطها هناك ومن ذلك قرار تخصيص 70% من قروض البنك التجاري للمنطقة الغربية.وكل هذه خطوات مازالت تحتاج إلى سنوات حتى تعم فائدتها على أغلبية السكان، خاصة وأن الأقاليم الغربية ليس لديها سواحل وكثير منها جبلية الطبيعة، والمسؤولون وقيادات الحزب الشيوعي فيها ليس لديهم خبرة بمشاريع التنمية والصناعة والتجارة وينتشر الفساد الإداري بينهم في إدارتهم لبناء الجسور والسدود وغيرها كما يفسر كل منهم القانون بتفسير يناسبه وهذا أحد أكبر العوائق إلى جانب العوائق الجغرافية التي بمجموعها قد تؤخر خطة التنمية، لكن هذا لم يمنع بعض الشركات الصينية من الاقتحام وسبق الغير إلى قصعة الثروات التي لم تستغل بشكل كامل كما تشجعت للدخول شركات وليدة ترى في ذلك فرصة لكسب الأرباح على المدى المتوسط والطويل
الموضوع الاصلى
http://www.almujtamaa-mag.com/Detail.asp?InNewsItemID=3448

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كن أول من يضع بصمة هنا لكن تذكر
(( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))